كارطافيلوس: اليهودي التائه بين الحقيقة والأسطورة في الفكر المسيحي والأدب الأوروبي

النوارس
المؤلف النوارس
تاريخ النشر
آخر تحديث




---


كارطافيلوس: اليهودي التائه بين الحقيقة والأسطورة في الفكر المسيحي والأدب الأوروبي


كارطافيلوس، المعروف بـ"اليهودي التائه"،  تلك الشخصية التي أثرت في التراث المسيحي والأدبي الأوروبي. وخلقت جدالا واسعا بين من  يرى  أنها مجرد أسطورة من الأساطير التي اختلقها رجال الدين ومن تبعهم ،و آخرون يؤمنون بأنها حقيقة عاشها رجل يهودي، يدعى أحروريش زمن المسيح عليه السلام وكان يعمل  إسكافيا بعدما أصبح جنديا في بلاط بلاطوس  واليا للإمبراطور الروماني  طبريوس بين 26ميلادية و36ميلادية  ،وقاد نال هذا الجندي  لعنة أبدية وعقابا سرمديا تجلى في الهجرة والتيه.و في هذا المقال، سنحاول استعراض رحلة كارطافيلوس وتأثيرها على الأدب المسيحي  والفكر الأوروبي، وكذلك المعاني النفسية والروحية العميقة التي ترمز إليها ومدى تأثر الفكر الأوروبي بالإسرائيليات



اليهودي التائه وأصل أسطورة كارطافيلوس


تعود تفاصيل القصة  وإنتشارها لأول مرة في القرن الثالث عشر الميلادي، عندما زار راهب أرميني إنجلترا عام 1228 ميلادية، وحكى قصة رجل يدعى كارطافيلوس عاش في أرمينية مدعيا  أنه كان أحد الجنود الذين قادوا المسيح للصلب، وبالتحديد أحد جنود  الحاجب  بيلاطوس النبطي ،حيث أن هذه الأسطورة مفادها أن المسيح  عندما كان يقتاد للصلب ضربه  أحد الجنود وهو الجندي كارطافيلوس   على رقبته وأمره بالإسراع فماكان من المسيح إلا أن دعا عليه بلعنة التيه الأبدية التي تنتهي بمجيئه مرة أخرى إلى العالم  كنوع من الخلود في الشتات والضلال الأبدي حتى قدوم المسيح المخلص حسب المعتقد المسيحي حيث أن هذا المدعو كارطافيلوس سيبقى حيا للأبد يتجول بحقائبه حتى عودة المسيح المخلص



كارطافيلوس ولعنة التيه


وحسب الروايات المسيحية، فإن كارطافيلوس بعد صلب المسيح وسماع تلك الدعوة عرف  خطيئته،  وندم أشد الندم  وتمنى  الموت للتكفير عن ذنبه، والتوبة إلى الله، إلا أن الوقت قد فات والمسيح قد صلب، فلم يبقى له إلا الإنصياع لقدر  اللعنة التي نزلت عليه بإعتبارها  عقابًا أبديًا يجبره على التجول دون راحة. وطول السنين  وأنه سيبقى في الشتات حيا حتى قدوم المسيح المخلص حيث أن فكرة "اليهودي التائه" لاقت صدى واسعًا في المعتقد الشعبي المسيحي، إذ إدعى العديد من الناس  أنهم التقوا بهذا الرجل في عدة مناطق مختلفة  وأزمنة متباعدة ، بدءًا من القرن السادس عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر،فهناك من  ادعى لقاء اليهودي التائه الملعون في باريس و أخرون بروما وأخر بالولايات المتحدة الأمريكية لتبقى مجرد أقوال تأثرت بفكر العهد القديم وقضية الشتات وعقاب التيه. ليصبح كارطافيلوس رمزاً للتيه والاغتراب الأبدي.ورمزا لليهودي الذي ينتظر عودة المسيح لإنهاء لعنة التيه والشتات   وهو مايؤكذ تأثير الإسرائيليات والأدب اليهودي على الفكر الأوروپي


تأثير كارطافيلوس في الأدب الأوروبي


 شخصية كارطافيلوس  كانت ملهمة للأدباء والفنانين من رسامين  وموسيقيين تأثروا بالدلالات العميقة التي  تتعلق بتيمة التيه والضلال والعقاب الأبدي،والخلاص. فتجسدت  هذه الشخصية في أعمال العديد من الشعراء والأدباء مثل الشاعر الألماني فرانز شوبرت، والروائي الفرنسي أوجين سو في روايته "اليهودي الضال". إذ استلهم هؤلاء الفنانون معاناة كارطافيلوس في نصوصهم، ليصوروا به وجع التيه والاغتراب، ويمثلوا قلق الإنسان المعاصر وحاجته إلى الراحة الروحية والإستقرار النفسي والمادي 



الأبعاد النفسية والروحية لأسطورة كارطافيلوس


كارطافيلوس أو أسطورة اليهودي الضال تعد  أكثر من مجرد حكاية، فهي تعبر عن معاناة نفسية وروحية عميقة. تبرز دلالات أدبيات الفكر اليهودي وانتقاله للمكون الروحي والفكري المسيحي عبر التأكيد على مفهوم عقاب  اليهود على الخطيئة، كما تعكس في جوهرها مشاعر الاغتراب والبحث عن وطنٍ روحي يحقق لحامله السلام الداخلي عبر الإستقرار في مكان واحد والتخلص من لعنة التيه وعقاب الشتات .إنطلاقا من  أدبيات اليهود ومن يدور في فلكهم ، ،فكانت هذه الشخصية تمتزج فيها الأسطورة مع المعتقد الديني مع اندساس أدبيات الفكر اليهودي داخل التراث المسيحي 


كارطافيلوس وتجربة البحث عن الهوية

يعتبر كارطافيلوس في الأدب الأوروبي رمزا لشتات اليهود، وهو ما تومن به العقيدة اليهودية و يتكرر أيضا  في أسفار التلمود والكتاب المقدس. وقد سلطت هذه  الأسطورة الضوء بطريقة فنية على معاناة اليهود كشعب مشتت،  يبحث عن وطن روحي فكان كارطافيلوس رمزا دالا على  هذا الشتات والهجرة والتجول، كتعبير عن رحلة البحث المستمرة عن الهوية والوطن والخلاص والتخلص من عقدة الذنب ،وعن أمل العيش في مكان يحمل الطمأنينة الروحية. وقد أسهمت هذه الأسطورة في دمج فكر الخلاص  والعودة كمكون مسيحي مع فكرة عقاب اليهود وتشتيتهم ،فالتقت الرغبة في التخلص من الآثام مع فكرة العودة والخلاص


تأثير كارطافيلوس في الثقافة الأوروبية


 قصة كارطافيلوس ألهمت  العديد من الشعراء والروائيين والموسيقيين الأوروبيين، على سبيل المثال نجد  الشاعر الإسكتلندي روبرت وليامز بيوكان، قد  كتب قصيدة طويلة تتناول عذابات "اليهودي التائه"، وتحوله من مكان لمكان مع التركيز على معاناة الإحساس بفقدان الأرض والإستفرار  وأيضاً الروائي هانز كريستيان أندرسن الذي ألف قصصاً تتناول جوانب الغربة والتيه الروحي.و هذا الموضوع تكرر كثيراً في الأدب الألماني باعتباره قد جمع الكثير من مؤلفات اليهود وقصصهم وهو ماتأثر به حتى الأدب الفرنسي، ليتحول كارطافيلوس إلى رمز ثقافي يشير إلى البحث المستمر عن الأمان الروحي والوطن المفقود.



خاتمة

 شخصية كارطافيلوس، أو "اليهودي التائه"، ستبقى  أسطورة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والرموز ،،إذ  تجسد مدى تأثر الفكر المسيحي بالتراث اليهودي وربط تيمة التيه والشتات والعقاب الذي نزل ببني إسرائيل زمن السبي إلى بابل وذالك من أجل لفت الإنتباه إلى مكون الوطن الروحي ومشكلةالإنتماء والهوية وفكرة المجيء والخلاص والعودة ليعطي منتوجات دينيا فريدا من نوعه  



---



تعليقات

عدد التعليقات : 0